في هذا الحوار المطول مع الإعلامي والمهتم بقضايا الأمن والسلامة الرقمية، أسامة حمامة، نُقارب أهمية تناول الأمن الرقمي في صفوف الأطفال والشباب، ومختلف التوصيات والتنبيهات التي يجب ألا يغفل عليها أي مستخدم للأنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي.
انطلاقا من تخصصك الإعلامي، كيف تبرز أهمية تسليط الضوء على الأمن الرقمي في وسط الشباب والأطفال؟
بداية، أود أن أشير بصريح العبارة إلى أن "الأمن الرقمي" يجب أن يكون ضمن الاهتمامات الأولى لأي مستعمل للإنترنت وتقنيات الاتصال الحديثة في زمننا الحالي (صغارا، شبابا وكبارا، محترفين كانوا أو مبتدئين)، وهو بالنسبة لي شخصيا تحدٍّ كبير يطرح نفسه بقوة في ظل التطور الحاصل على مستوى طرق انتقال المعلومات عبر القنوات الإلكترونية والشبكات الافتراضية.
هذا التغير المستمر يتطلب من
الشخص -المستعمل-أن يطَّلع بشكل منتظم على مستجدات "الأمن الرقمي"، وهنا
أتحدث على معرفته لشروط وأحكام استعمال التطبيقات والمواقع والأجهزة الإلكترونية
المتصلة، للإلمام بنوعية المعلومات التي يسمح بمشاركتها ووتيرة مشاركتها وكذا
الأطراف التي تستطيع الاطلاع عليها وكيفية توظيفها والغرض من ذلك، هذا من جهة.
من جهة أخرى، إدراك الشخص لكيفية ضبط إعدادات هذه التطبيقات والمواقع
بالشكل الذي يتلاءم مع حاجياته المتعلقة ب (الخصوصية)، لا يمنع تماما احتمالية
تسريب بعض المعطيات دون قصد، إما من طرف المستعمل نفسه، أو جراء التعرض لعمليات
القرصنة بشكل مباشر (هجوم إلكتروني، فيروسات، برامج تجسس، إلخ)، أو للنصب
والاحتيال (الهندسة الاجتماعية، الابتزاز، إلخ). ودون التعمق في تفاصيل أكبر، فأنا
أؤكد على أن الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة بحر واسع لا يمكن للفرد العاقل الخوض
فيه دون ارتداء سترة نجاة مناسبة، هذه الأخيرة هي مكتسباته حول "الأمن الرقمي"،
فكلما كبرت واتسعت، كلما تعززت قدرته على تجنب ما يكتنف هذا اليم من مخاطر، رغم أنه
في الآن ذاته يحوي خيرات كثيرة.
ما التحديات التي
تحيط الأمن الرقمي في زمن الثورة التكنولوجية والتواصل الرقمي الحتمي؟
في الحقيقة، التحديات متعددة ويكاد المرء لا يستطيع لها حصرا، فلنأخذ
الموضوع من هذا المنطلق: عندما يتعلق الأمر باستعمال خدمة إلكترونية
"مجانية"، فهي ليست مجانية تماما، نحن ندفع مقابلها شيئا مهما وهو
معطياتنا الشخصية، هذا ليس بالضرورة سيئا، فمصطلح "معطيات شخصية" واسع
ويمكن أن يشمل بيانات لا نمانع مشاركتها مع مزودي تلك الخدمات، كمعدل وطريقة استعمال
تطبيق معين.
صحيح أن هذه البيانات يتم في
غالب الأحيان بيعها لشركات أخرى أو توظف في تصنيف المستعملين الذين ستوجه إليهم
حملات إشهارية معينة، وأحيانا تستعمل في مرحلة أولية لتطوير تلك الخدمة
الإلكترونية فقط، المهم هو التأكد من أن هذه البيانات تُجمَّع بشكل سري، أي أن
مقدم الخدمة لا يعرف تماما هوية الشخص الذي يشاطر هذه البيانات (اللهم إلا إذا كان
الشخص لا يمانع ذلك، فالمسألة نسبية ودرجة اهتمام الأفراد بحماية معطياتهم الشخصية
تختلف حسب تصور كل واحد منهم ودرجة حساسيته تجاه مسألة "الخصوصية"، بغض
النظر عن مدى معرفته بما يتهدده أثناء استعمال الشبكات الإلكترونية، فالبعض يتبنى
مبدأ ليس لدي ما أخفيه أو: ليس لدي ما أخسره)
وكي لا أنساق بعيدا عن السؤال الأساسي، أعود للتذكير والتشديد على ضرورة التعامل بذكاء وبعد نظر مع كل برنامج/جهاز معلوماتي يتيح تخزين المعلومات وإرسالها، هنا لا ينحصر الأمر حول ما نعرفه كشبكات التواصل الاجتماعي وملفات تعريف الارتباط التي تزرعها المواقع في متصفحات الإنترنت، إنه يتجاوز ذلك بأشواط.
أعطي بعض الأمثلة في هذا الصدد؛ إذا كنت تستعملُ جهاز ملاحة gps navigator في السيارة، فقد تبيع الشركة المقدمة للخدمة بيانات القيادة الخاصة بك لجهة أمنية، قصد تحرير مخالفات تخص تجاوز السرعة القانونية في الطرق التي سلكتها، وقد حدث هذا سابقا في إحدى الدول وأثار ضجة كبيرة.
في المغرب مثلا، يمكن لشبكة الطرق السيارة رصد رقعة تواجدك أو وجهتك
عندما تدفع ثمن الطريق السيار باستخدام جهاز 'جواز'، لأنه مرتبط برقم سيارتك، إذن
سيعرفون أن هذه السيارة كانت في مراكش الساعة الفلانية إلخ.
بطبيعة الحال، لدى الجهات المختصة طرق متقدمة وأكثر نجاعة لرصد حركة
الأشخاص، لكن البعض قد ينزعج حتى من نقطة إفشاء مكان تواجده بسهولة لشركة تجارية
معينة.
مثلا، عندما تقومُ بالحجز في Booking في مدينة معينة، فلنقل طنجة، سيبادر الموقع
باقتراح أماكن تستحق الزيارة وتوصيات وتخفيضات إلخ، ليس بالضرورة حبا فيك أو
لإغناء تجربتك السفرية، بل في المقام الأول لرفع أرقام الأرباح الخاصة به، الأمر
يشبه أن تشتري سيارة جديدة، فيقترح عليك البائع مجموعة من الأكسسوارات التي يحاول
إقناعك بأهميتها ومساهمتها في استمتاعك أكثر بسيارتك أو بعملية القيادة.
إذن التحدي المطروح بشدة في نظري يتمثل في كون المرء غير محمي 100%،
ما دام يستعمل الفضاء الرقمي عليه أن يكون مستعدا لكل شيء، وبالتالي رفع مستوى
الحذر والبقاء في منطقة آمنة
safe zone.
فلنفترض أن شخصا (صحفيا) يحب تجربة برامج المونتاج المتاحة مجانا عبر
روابط التورنت (تكون برامج مقرصَنة)، سيكون من الغباء أن يخاطر بتحميلها على حاسوب
يضم بيانات ووثائق مهمة، الأمر هنا لا يتعلق فقط باحتمالية تسريب أو سرقة هذه
البيانات بسبب فيروس يوجد في البرنامج، بل بإفسادها من طرف الفيروس، وبالتالي ضياع
سنوات من العمل.
لذا يجب عليه أن يتوفر على برامج قوية مضادة للبرمجيات الخبيثة anti virus، ومحاولة قدر الإمكان
شراء برامج مرخصة من الشركة الأم عوض تحميل نسخ مقرصَنة غير موثوقة قد تؤدي إلى
تخريب جهازه.
من لديه قدرة مادية كافية، يقوم بتخصيص جهاز حاسوب معين للتخزين مع
وضع نسخ احتياطية على أقراص صلبة مستقلة، ثم يخصص جهاز حاسوب آخر للإنترنت وما
يتعلق به، هذا الجهاز الأخير لا يضع به أي ملفات شخصية.
ماهي أكثر القضايا من حيث خصوصية الأمن الرقمي التي يجب التطرق لها باستمرار؟
من بين التحديات المتعلقة بالتكنولوجيا المعاصرة والتي قد يتكبد فيها
المرء خسائر كبيرة تتمثل في سرقة بيانات البطاقات البنكية أثناء القيام بعمليات
الشراء.
صحيح أن التجارة الإلكترونية في بلدنا منتشرة بكثرة وأغلب المنصات
الداخلية آمنة، لكن هذا لا يمنع إمكانية وقوع الأشخاص ضحية سرقة البيانات البنكية،
خصوصا عندما يتعلق الأمر بالبطاقات الدولية.
على صعيد مواز، قد يتم اختراق الأمن الرقمي للأشخاص عن طريق التحايل
والنصب، عبر الإعلانات التجارية التي تطالب الأشخاص بإرسال تسبيق مالي مقابل بضاعة
أو خدمة معينة، وكالات الأسفار، الخ)
ومن ثمة يختفي أصحاب
هذه الإعلانات، أو مواقع الشراء الإلكتروني التي تقتطع أموالا عن خدمات تقول إنها
مجانية (غالبا ما يكون هذا خطأ المستعمل، فهو لا يقرأ أن الأمر يتعلق بفترة
تجريبية ينخرط بعدها أوتوماتيكيا في الخدمة).
على كل حال، أقول إن التحديات ترتبط أساسا بتنامي وسائل الاختراق الإلكتروني في ظل غياب شبه تام لوعي الأفراد بهذا المعطى، حيث لا يهتمون كثيرا بحماية أنفسهم إلكترونيا حتى يتعرضوا للدغة العقرب، عقب عملية ابتزاز إلكتروني مثلا، وما أكثرها.
لذلك أنصح الجميع بمعاينة المقالات والفيديوهات التعليمية التي تقدم
ببساطة وبخطوات عملية أهم ما يمكن فعله لضمان مستوى محترم من الأمن الرقمي، من جهة
أخرى، أحث جميع الفاعلين في القطاع الرقمي (مؤسسات، شركات، بل حتى باعة الأجهزة)
على إعداد دليل رقمي مفصل للأمن الرقمي يقدم للمستعملين والزبناء، من أجل تحسين
سلوكهم الرقمي مستقبلا.
أدعو أيضا إلى إدراج حصص دراسية توعوية تتطرق لهذا الموضوع في المدرسة
العمومية كي تبقى هاجسا يشغل الأفراد منذ الصغر، فالأطفال معرضون أكثر من غيرهم
للنصب والتحرش والاستدراج، وهذه التوصية تشمل أيضا إعلامنا، لمعرفة كيفية تقصي
الأخبار الزائفة والمغلوطة وأيضا كيفية حماية الأفراد لأنفسهم إلكترونيا.
ماهي توصياتك للشباب والأطفال من أجل تربية رقمية سليمة؟
أولا وقبل كل شيء، أوصي الآباء والأمهات بتجنب تعريض الأطفال للعالم
الرقمي في سن مبكرة، لما قد يترتب عن ذلك من مشاكل مرتبطة بالسلامة النفسية للطفل
وسلامته الجسدية أيضا، لأن تعود الأطفال على الأجهزة الإلكترونية منذ الصغر يولد
الخمول كما أن التعرض للأشعة يضر بالعين وخلايا الدماغ.
في السياق ذاته، استهلاك محتوى رقمي معين بعيدا عن رقابة الوالدين قد
يتهدد شخصية الأطفال ويتسبب في انحرافهم سلوكيا، قد ينتج عن ذلك صفات سلبية تظهر
تدريجيا لدى الطفل، كالانطواء-العزلة الاجتماعية، العدوانية - الأنانية، العنف
والعناد، وربما تأخر النطق أيضا، إلخ
لا ننسى أن إهمال الوالدين للأطفال في سن المراهقة قد يزيد من تفاقم
تعرض الأطفال للبوائق الرقمية، فقد سمعنا الكثير من قصص غسيل الدماغ التي تقوم بها
ثلة من الجماعات المتطرفة لاستقطاب الشباب، والتطرف هنا ليس مرتبطا دائما بفكرة
الإرهاب المبتذلة، قد يكون استقطابا داخليا أو خارجيا يدعو لتبني فكر سلبي دخيل.
صحيح أن للأفراد حرية اختيار دروبهم في الحياة، لكن ليس من الانصاف
استغلال الأطفال والعقول الفتية لحشوها وهي ليست لديها بعد المناعة الفكرية
اللازمة للاختيار باستقلالية.
على أولياء الأمور كذلك إرشاد ونصح أطفالهم بشكل دوري وبطريقة سليمة تحترم شعورهم كأطفال حول ما قد يتعرضون له في الفضاء الرقمي والعالم الملموس من محاولات التغريروالاستغفال.
ثم من اللازم أن يقوم الوالدان ومعهم المدرسون (حسب الاستطاعة) بتنظيم ورشات مصغرة حول الأمن الرقمي للتعريف بالثغرات ونقاط الضعف اللازم ملؤها وتداركها عند استخدام الحاسوب والهاتف وغيرها من الأجهزة، سواء كانت متصلة بالأنترنيت أم لا.
بالنسبة للشباب، سأكتفي بالقولة "الإنترنت سيف ذو حدين"، وأنا أشد على أيديهم لاقتفاء أثر ما ينفعهم في هذا العالم المترامي الأطراف، مع عدم الانغماس في الشبكات الاجتماعية لأنها تأثر بشكل ملموس على قدرتهم على التفاعل في الواقع ومهاراتهم الاجتماعية، هذا على مستوى المضمون أو "الأمن العقلي".
أما بخصوص جانب "الأمن الرقمي"، لا يسعني إلا الترغيب في
البحث عن المعلومة وعدم انتظار وصولها إليهم، أي التنقيب المستمر عن أخبار الثغرات
المعلوماتية والأخطار الرقمية التي تهدد أمن المستعملين، دون نسيان الإحاطة بجديد
طرق ووسائل الحماية المتوفرة، وعدم التهاون في اتباع توصيات ونصائح الخبراء لضمان
استعمال آمن لهذا الفضاء.
هناك مواقع ومدونات تقدم جديد التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية وتتطرق
في مقالاتها لأهم تحديثات الخصوصية ونصائح للحماية المعلوماتية، أوصي بمتابعة
tech crunch, mashable, digital trends, ijnet, cybintsolutions,
pc mag, cnet,

تعليقات
إرسال تعليق